ما يجب أن تعرفه في الفايسبوك

لم تعد صفحات التواصل الاجتماعي الفيس بوك وقفا علي التعارف وإنشاء صداقات جديدة وتبادل الأخبار والمعلومات بين الشباب من مختلف أطراف العالم‏.‏ وظهرت صفحات متخصصة بمبادرات شبابية وفردية تلبي احتياجات ورغبات الملايين من رواد تلك الصفحات‏,‏ من مختلف الأعمار والأجناس والأعراق والتخصصات‏.
وما بين صفحات ومجموعات شبابية وفنية وثقافية واخبارية, ظهرت الصفحات الدينية علي الفيس بوك لتبشر بمنابر جديدة لنشر الثقافة والفكر الديني بين الشباب.
في غيبة الرقابة والمؤسسات الدينية الرسمية في عالمنا الإسلامي, انطلقت الفتاوي والقضايا الدينية المثيرة للجدل بين رواد تلك الصفحات, لتسجل أرقاما قياسية لأعداد مستخدميها, مقارنة بالصفحات والمواقع الدينية الرسمية للأزهر الشريف, ودار الإفتاء, ووزارة الأوقاف, ومجمع الفقه والمنظمات الإسلامية, وإن كان أكثرها انتشارا هو موقع دار الإفتاء, لما به من خدمة التواصل مع الجمهور والإجابة علي أسئلتهم وفتاواهم.
والسؤال الذي يتبادر إلي أذهاننا الآن هو كيف نتأكد من المعلومات الدينية المقدمة علي هذه الصفحات غير الرسمية والتي لا تخضع لأية رقابة أو تدقيق ومراجعة لما تبثه من فتاوي ومعلومات دينية وما هي إيجابيات وسلبيات تلك الصفحات؟
وهل تمثل تلك الصفحات بما تنشره من آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة وأدعية ومأثورات, إضافة إلي مسيرة الدعوة الإسلامية؟ أم أنها باتت منبرا لبث الشائعات والمعلومات الدينية المغلوطة والفتاوي المتضاربة؟ وبابا لإثارة الفتنة المذهبية والصراعات الدينية بين الشباب في الدول الإسلامية ؟!
انتشار الأمية الدينية
في البداية يفسر الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر الشريف, ظاهرة تزايد أعداد رواد صفحاتالفيس بوك الإسلامية قائلا: نظرا لانتشار الأمية الدينية بين شباب مصر حتي بين خريجي الجامعات وهذا شيء واضح لأنه تنقطع صلتهم بالدين منذ التعليم ما قبل الجامعي, فهناك تربية دينية في الإبتدائي والإعدادي والثانوي ولكن لا توجد أي إشارة إلي التربية الدينية والثقافية الدينية في الجامعات, هذا إلي جانب أنه حتي بالنسبة للثقافة الدينية في المدارس التي تسمي بالتربية الإسلامية فإنها لا تدرس علي الوجه الأكمل لأنها لا تدخل في المجموع, ولا يرسب فيها أحد, وليس لها أساتذة متخصصون في التربية الدينية وإنما يدرسها معلمو اللغة العربية, ولأن منهج اللغة العربية طويل جدا, فإنهم يخصصون حصص التربية الدينية لاستكمال منهج اللغة العربية, وإذا أضفنا إلي هذا كله تخلي المساجد عن وظيفتها التثقيفية والدعوية, وتباين الدعوة الدينية وتناقض الفتاوي علي القنوات الدينية بشكل يؤدي إلي البلبلة بين الشباب, وعدم تيقنهم من حقائق الدين وأصوله والمعلوم من الدين بالضرورة, وإذا أضفنا إلي ذلك كله تخلي الآباء والأمهات عن وظائفهم التربوية في أغلب الأسر, نخرج بنتيجة مهمة, وهي زيادة الأمية الدينية لدي شباب مصر, ولأن النزعة الدينية متأصلة في نفوس المصريين, فان الشباب يحاولون بفطرتهم السوية البحث عن حقائق الدين, ونسبة كبيرة من المصريين الآن تتعامل مع الإنترنت, وصفحات التواصل الإجتماعي, كالفيس بوك, وتويتر, وغيره, كما أن البعض أدمن الإنترنت, وهذا ما يفسر لنا كثرة أعداد الشباب الذين يزورون المواقع الدينية علي الفيس بوك, لأنهم يبحثون عن المعرفة الصحيحة ولا يجدونها في المدارس أو الجامعات أو حتي المساجد, فيحاولون الحصول عليها عن طريق المواقع الدينية علي الفيس بوك.
إيجابيات وسلبيات
ويري الدكتور السمالوطي ان الفيس بوك ليس كله شرا, وان تلك الظاهرة التي انتشرت بين الشباب لها إيجابيات عديدة, وبعض السلبيات الخطيرة, ويوضح ذلك قائلا: من أهم الإيجابيات معرفة الشباب لحقائق دينهم إذا كان من مصدر متخصص في العلوم الشرعية, ودارس بشكل أكاديمي مثل أساتذة جامعة الأزهر, ودار العلوم, والتربية وغيرها, ولكن مكمن الخطورة يتمثل في عدم معرفة من الذي يكتب في هذه الصفحات الدينية علي الفيس بوك, فقد يكونوا غير متخصصين, أو من دعاة مذاهب هدامة يحاولون هدم الإسلام وتشويه صورته من مداخل إسلامية, فقد يكونوا مثلا من الشيعة الذين يحاولون نشر التشيع في مصر, أو يكونوا من المعادين للإسلام من أنصار الصهيونية, أو من أنصار التبشير من المتطرفين, فهذه جميعها اتجاهات تحاول هدم حقائق الإسلام وتشويه صورته في نظر المسلمين, ولا شك أن شباب مصر والأمة الإسلامية شباب مستهدف, لأنه عماد العمارة والتنمية, ولأنه أيضا عماد الإنتاج والتقدم الإقتصادي, ولأنهم الفئة المسئولة عن الإبداع والابتكار والتقدم العلمي.
وناشد مؤسسة الأزهر وجميع العلماء والدعاة الصادقين إلي متابعة هذه المواقع الدينية علي الفيس بوك حتي يكشفوا الغث من السمين, وحتي يتم توجيه الشباب إلي نوعية المواقع الصحيحة علميا وشرعيا وتحذيرهم من المواقع المدسوسة علي الإسلام, وفضح هذه المواقع وتحذير الشباب من أن يستقوا معلوماتهم منها, وكشف ما وراء هذه المواقع من أهداف خبيثة تعادي الإسلام والمسلمين, وتحاول إيقاع الضرر بمصر والعالم الإسلامي.
شباب علماء الأزهر
وفي سياق متصل ينبه الدكتور القصبي زلط, عضو هيئة كبار علماء الأزهر, الي أهمية إشراف الدولة وفرض الرقابة علي تلك الصفحات, ويقول: إن المؤسسات الدينية ليس لها علاقة بالرقابة أو الأمور التنفيذية, وإذا كانت هناك إمكانية من مراقبة لما ينشر علي الصفحات الدينية علي مواقع التواصل الإجتماعي من معلومات دينية, فالأمر يكون سهلا وآمنا, ولكن الواقع أن هناك وجهات نظر متفاوتة, وكل شخص يريد إثباتها بمعلومات قد تكون خاطئة, أما الإقبال علي مواقع, وتنشر معلومات دينية من غير المتخصصين فكل هذا أصبح له رواج ويجذب أناسا كثيرون, وأود أن أنوه الي أن من يأخذ هذه المعلومات ليس له علم بالأمور الدينية, ويجب سؤال أهل الذكر, وفي ذلك يقول الله تعالي: فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون, وإذا كان بعض الناس يفهم أنه إذا قرأ كتابا أصبح له الحق في الفتوي أو أصبح من علماء الدين, فهذا خطأ لأن مجال الدين واسع وتخصصاته واسعة, وكان الصحابة كثيرا ما يتحرجون عن الفتوي ولا يحبون أن يتصدون لها, وكان سيدنا أبو بكر يقول: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم, وليس معني هذا أنه يمتنع نهائيا عن تفسير القرآن ولكنه كان يتحرج إذا لم يعرف معني أو تفسيرا لآية قرآنية, علي عكس وقتنا هذا فليس من قرأ في الدين يصبح مفتيا ويتساوي بالأئمة الأربعة.
وناشد مشيخة الأزهر تأسيس صفحة علي الفيس بوك لتخاطب جمهور الشباب وحتي لا يختلط الحابل بالنابل, وعلي شباب علماء الأزهر أن ينفذوا تلك الصفحات لأن العلماء الكبار في السن يقل استخدامهم للإنترنت بشكل عام.
كما وجه الدكتور القصبي كلمة للشباب الذين يشرفون علي تلك الصفحات الدينية أن يستوثقوا مما يكتبونه, ولابد من توجيه الأسئلة والإجابة عليها من أفواه المتخصصين وبذلك ننشر المعلومة الصحيحة ما دام الاقبال علي تلك الصفحات كبيرا فاستغلال نشر المعلومات يكون بتصحيحها قبل نشرها علي هذه المواقع, وليس هناك حرج أن يسأل أصحاب هذه الصفحات المتخصصين, ولقد علمنا الإسلام ذلك, حينما جاء رجل يسأل علي الرسول صلي الله عليه وسلم, وكان جنبا علي رأسه جرح كبير, وجنابة, فقال له أصحاب الرسول لابد أن تغتسل,ففعل الرجل وتوفي متأثرا بجرحه, فغضب الرسول صلي الله عليه وسلم أشد الغضب, وقال: قتلوه قتلهم الله فهلا سألوا فإنما شفاء العي السؤال, وهذا الحديث يدلنا أنه لا حرج أن يسأل الناس وأن ينشروا ما يريدون نشره بعد التأكد من صحته بسؤال المتخصصين.
تراجع دور المؤسسات الرسمية
ويري الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية, أن المعلومات والفكر والفقه الديني الذي تبثه مواقع المؤسسة الدينية أكثر مصداقية وأعمق وثوقا لكونه نابعا من المؤسسة الدينية الوسطية التي تتمتع بالعلم الأصيل والمادة المعتمدة من مصادرها في القرآن والسنة, ومن أشخاص مشهود لهم بالتخصص الدقيق والدراسة المتعمقة في المجال الديني باعتبار أن الأزهر هو قلعة الإسلام السني, ليس فقط علي مستوي مصر أو الدول العربية أو حتي العالم الإسلامي, وإنما علي أساس أنه مؤسسة عالمية, بل إن الأزهر الشريف يدرس في جامعة الأزهر المقارنة بين الأديان, والفقه المقارن بين مذاهب أهل السنة والشيعة والأباضية وغيرها, مما يوفر عامل ترجيح, والمفروض أنه ينبغي أن يتردد عليه المتعاملون مع الإنترنت( شبكة المعلومات الدولية), لكن الحاصل أن المترددين علي المواقع الإلكترونية الذين يريدون التعرف علي بعض المواد الدينية والمواقف الإسلامية يقبلون أكثر علي مواقع التواصل الإجتماعي لدي أفراد مغمورين أو مؤسسات لا تتمتع بالمسئولية التي يحوزها الأزهر الشريف أو حتي غيره من المؤسسات الرسمية, مثل رابطة العالم الإسلامي, واتحاد علماء المسلمين ومجمع الفقه الإسلامي.
ويضيف الدكتور الجندي أن السبب في ضعف الإقبال علي مواقع المؤسسات الدينية الرسمية, يرجع إلي طريقة العرض, وفن الخطاب, وعناصر التشويق, وفهم ثقافة المتلقي, ودراسة الظروف التي وفقا لها تقدم هذه المعلومات والمواد الدينية, ويلاحظ أن القائمين علي صفحات التواصل عبر مواقع التواصل الإجتماعي غير الرسمية, يستخدمون أساليب تتواكب مع الحالة الراهنة بأسلوب سهل مبسط لا يغرق في مصطلحات معقدة, قد تناسب العملية الأكاديمية والقاعات الدراسية لكنها لا تتوافق مع القدرات العقلية والثقافية, للجماهير المتعاملين مع شبكة المعلومات الدولية, الذين يهمهم بالدرجة الأولي أن يطلعوا علي ما يريدون من تعريف بالإسلام, أو عرض لحقائقه, أو الوقوف علي الفتاوي, وأن يتم ذلك بأيسر الطرق, وبأقل مجهود, وهذا ما يراعيه القائمون علي صفحات التواصل الإجتماعي, بينما لا يهتم به كثيرا الخطاب الديني للمؤسسات الرسمية الذي يواجه به المتلقي أو المضطلع علي صفحات المؤسسات الدينية بأسلوب لا يخلو من المهنية, والجفاف في بعض الأمور, والميل للتشدد وعدم إدراك جميع الظروف للمتلقي لهذه المعلومات.
وهنا ننوه إلي قول الرسول صلي الله عليه وسلم, الذي يؤصل استخدام الأسلوب المناسب الذي يراعي مقتضي أحوال المتلقي والزمان والمكان في حديث الرسول:( خاطبوا الناس علي قدر عقولهم), فإذا كان الخطاب وفن الكلام والعرض له هذا التأثير الكبير علي المتلقي, فإن الأمر بالتأكيد يفسر بعض الجوانب التي تجعل خطاب التواصل الإجتماعي للأفراد والمؤسسات غير الرسمية أكثر جاذبية من خطاب المؤسسات الدينية الرسمية, ولأن البعض قد ينظر خطأ إلي ما تبثه المؤسسات الدينية الرسمية علي أنه يتملق الحكام, كما أن مواقع التواصل الاجتماعي غير الرسمية تستخدم وسائل لفت الأنظار والإثارة, ولا تتورع عن استخدام الإثارة والخداع لجذب المترددين عليها.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

أخطر وثائق بنو صهيون

اقوي أدعية تأثير علي الجن والوقاية من المس

جديد فيزا فرنسا 2019